التلوث البلاستيكي هو إحدى أكثر القضايا البيئية إلحاحاً في عصرنا، ومن أجل مكافحته، يجب التوصل إلى معاهدة عالمية طموحة وملزمة قانوناً، تحدّ من إنتاجه في المقام الأول، وتنهي عصر البلاستيك.

المنتجات البلاستيكية باتت في كل مكان. وبمعزل عن استخداماتها الاستهلاكية العملية، باعتبار أنها سهلة وقليلة التكلفة من ناحية الإنتاج، يمثّل البلاستيك مشكلة تلوّث هائلة، إذ تحاصر مخلّفاته الحياة البرية، وتقتل ملايين الكائنات البحرية التي تبتلع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة. وتشير التقديرات الأخيرة للبنك الدولي إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسجل أعلى نصيب للفرد من البصمة البلاستيكية، حيث يتسبب الفرد من سكان المنطقة في تلويث المحيطات بأكثر من 6 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية في المتوسط كل عام. ولإيقاف ذلك، يتوجّب علينا الحدّ من إنتاج البلاستيك في المقام الأول.

تأثير البلاستيك على أنظمتنا البيئية

يلوّث البلاستيك كل ركن من أركان الكوكب، وقد وجد طريقه إلى أعماق محيطاتنا، وإلى أقصى حدود الغابات النائية والقطب الشمالي. حتى أنه وصل إلى مواقع تعشيش السلاحف عند شواطئ الجُزر. لا نعرف بالضبط كم من الوقت سيستغرق البلاستيك المُشتقّ من النفط ليتحلّل (أو حتى إذا كان قابلاً للتحلّل في الأساس)، لكننا نعلم أنه بمجرّد وجوده في تربتنا وأنهارنا ومحيطاتنا، فمن المستحيل التخلّص منه بسهولة. 

إن البلاستيك الذي نراه ينجرف نحو الشواطئ ويطفو على أسطح المياه ليس سوى غيضٍ من فيض. إذ إن أكثر من ثلثي البلاستيك الموجود في محيطاتنا ينتهي به المطاف في قاع البحار، فتنشأ بين الأمواج وخلفها أراضٍ تتكدّس فيها النفايات البلاستيكية على نحوٍ مستمر. ولتزداد الأمور سوءاً، تتكسّر الزجاجات والأكياس وغيرها من النفايات البلاستيكية تدريجياً إلى قطع أصغر وأصغر تُعرف باسم اللدائن الدقيقة، مما يؤدي إلى مزيد من الضرر للنّظم البيئية، حتى عندما تكون غير مرئية للعين المجرّدة.

وتشكّل النفايات البلاستيكية مشكلة كبيرة بنفس القدر التي تؤثّر فيه على أعالي البحار، حيث تملأ مواقع مطامر النفايات، وتعوق مجاري الأنهار، فضلاً عن توليد انبعاثات غازات الدفيئة عند حرقها في الهواء الطلق أو ترميدها. كذلك، تنبعث من بعض المنتجات البلاستيكية مواد كيميائية على درجة عالية من الخطورة، ممّا يشكل المزيد من المخاطر على سلامة الحياة البرية وصحة الناس.

أسطورة إعادة التدوير

على الصعيد العالمي، يتم إعادة تدوير 9% فقط من البلاستيك. وحتى في البلدان المتقدمة، فإن معدل إعادة تدوير المواد البلاستيكية التي تجمعها الأسر غالباً ما تكون نسبتها أقل بكثير من 50%، في حين أن جزء بسيط للغاية من هذه النسبة يُعاد تحويله مجدداً إلى منتجات تعبئة وتغليف بلاستيكية. إضافةً لما سبق، إن معظم نفايات التغليف “المُعاد تدويرها” على نحوٍ متكرّر، يتم تحويلها في النهاية إلى منتجات ذات جودة أقلّ أو قد تصبح غير قابلة لإعادة التدوير، ممّا يعني أن العملية تؤدّي في نهاية المطاف إلى تأخير رحلة البلاستيك الحتمية إلى مطامر ومكبّات النفايات.

للأسف، أصبح التلوّث البلاستيكي إحدى أكثر القضايا البيئية إلحاحاً. فقد تضاعف الطلب على المواد البلاستيكية في السنوات العشرين الماضية، ومن المتوقع أن يتضاعف مرة أخرى في السنوات العشرين المقبلة. إذا لم تتم معالجة قضية التلوث البلاستيكي، فإن الاستخدام والإنتاج المتسارعَيْن للمواد البلاستيكية يمكن أن يهدّد رفاهية المجتمعات والنُّظم البيئية المختلفة.

ويُذكر في هذا الإطار أن التلوّث البلاستيكي لا يزال يكلّف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 0.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط كل عام، وفق تقديرات البنك الدولي، مع الإشارة إلى أن معدل استهلاك الفرد من الأكياس البلاستيكية سنوياً في بعض الدول العربية يصل إلى 40 كيلوغراماً للفرد، في مقابل المعدّل العالمي الذي يبلغ 24 كيلوغراماً.

البلاستيك وأزمة المناخ

والأسوأ من كل ما ذكر آنفاً هو أن اقتصاد البلاستيك الحالي يساهم بشكل كبير في تأجيج أزمة المناخ. فجميع المنتجات البلاستيكية مشتقة في المقام الأول من البتروكيماويات، وهي منتجات النفط الخام. ولذلك، فإن قطاع السلع الاستهلاكية يتماشى بشكلٍ متزايد مع حليف تاريخي مضرّ للغاية ويعدّ المحرّك الرئيسي لأزمة المناخ العالمية – أي صناعة الوقود الأحفوري.

تهدّد انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن دورة حياة البلاستيك قدرة المجتمع العالمي على الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة. أكثر من 90% من المنتجات البلاستيكية مصنوعة من الوقود الأحفوري، ويشير تقرير سابق صادر عن مركز القانون البيئي الدولي (CIEL) إلى أن التلوّث الناجم عن إنتاج البلاستيك العالمي وحرقه يعادل – في عام 2019 وحده – انبعاثات 189 محطة طاقة تعمل بالفحم. ويقدّر التقرير نفسه أنه بحلول عام 2050، يمكن أن تشكّل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن البلاستيك ما يصل إلى 10-13% من إجمالي ميزانية الكربون المتبقية. وإذا استمر الإفراط في إنتاج واستهلاك البلاستيك من دون انقطاع، فقد يمثل 20% من إجمالي استهلاك النفط العالمي بحلول منتصف القرن الحالي.

ومع استمرار العلامات التجارية الكبرى في إدمانها على هذه المواد الضارة، فإنها بذلك تغذّي التأثيرات المناخية وتُعرّض المجتمعات للخطر مقابل مراكمة أرباحها. تواجه المجتمعات ذات التعدّدية العرقية والإثنية في جميع أنحاء العالم تأثيرات صحية غير متناسبة جراء صناعة البلاستيك، سواء من خلال المحارق أو مطامر النفايات أو مرافق البتروكيماويات أو الممرات المائية الملوثة أو العبوات البلاستيكية الضارة المفروضة بشكلٍ خاصّ على المجتمعات المهمّشة التي تعيش على مقربة شديدة من مواقع إنتاج البلاستيك والنفايات.

نحن بحاجة إلى معاهدة عالمية ملزمة قانوناً لإنهاء التلوث البلاستيكي

البلاستيك أحادي الاستخدام هو اختراع بشري حديث، وقد أصبح هو القاعدة الثابتة بفعل جشع الشركات وكبار الملوثين. ومن أجل الحدّ من التلوّث البلاستيكي، الناجم في المقام الأول عن ثقافة التخلص من النفايات – كتلك التي تنتهجها العلامات التجارية الكبرى مثل كوكا كولا Coca-Cola للمشروبات الغازية و”يونيلفر” Unilever للأطعمة ومواد التجميل – علينا أن نعمل من أجل التوصل إلى معاهدة عالمية طموحة وملزمة قانوناً من شأنها أن تحدّد سقفاً لإنتاج واستخدام البلاستيك تمهيداً للتخلّص منه تدريجياً أو وقف إنتاجه، وتالياً إنهاء التلوّث بالمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.

ما هي المعاهدة العالمية بشأن البلاستيك؟

هي فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، وصكٌّ ملزم قانوناً يهدف إلى إنهاء أزمة التلوّث البلاستيكي. ومن أجل تسريع إبرامها، ندعو الحكومات إلى الالتزام بمعاهدة عالمية قوية من شأنها أن تحد من إنتاج البلاستيك وأن تقودنا بسرعة بعيداً عن التغليف البلاستيكي الذي لا معنى له، وأن تدعم كذلك تطبيق أنظمة إعادة التعبئة والاستخدام على المستوى العالمي.

نتحدث هنا عن حاجة ماسة إلى معاهدة تتناول دورة حياة البلاستيك بأكملها، أي من اللحظة التي يتم فيها استخراج النفط أو الغاز المستخدم لإنتاج البلاستيك من باطن الأرض، إلى أن يحين موعد حرقه في المحارق أو تراكمه مخلّفاته في مكبات النفايات وفي غاباتنا ومحيطاتنا وأنهارنا، مع التركيز على التخلّص التدريجي من إنتاج البلاستيك، وإلا فإن الآثار المدمرة للبلاستيك على تغيّر المناخ والبيئة وصحة الإنسان لن تتم معالجتها أبداً.

فلنُنهِ سوياً عصر البلاستيك

“لا تفوّتوا الفرصة التي لا تتكرّر مرّتين في جيلٍ واحد لإنهاء عصر البلاستيك. ادعموا إبرام معاهدة عالمية فعّالة لمكافحة التلوّث البلاستيكي!”

وقّع/ي العريضة