تدعو منظمة غرينبيس شركات النفط العالمية أن تتحمّل العبء المالي للتلوّث النفطي وفاتورة خطة الإنقاذ الآمن، والارتقاء إلى مستوى ما تحتاجه المرحلة التالية من عملية الإنقاذ الحاسمة لخزّان صافر العائم كواجب نحو البيئة والمجتمع العالمي.

عد أكثر من ثماني سنوات والعديد من الإنذارات الكاذبة، تستعد الفرق والطواقم الفنية الأممية لبدء العملية الدقيقة لإزالة أكثر من مليون برميل من ناقلة صافر النفطية المتهالكة والراسية قبالة الساحل الجنوبي لليمن، وهو الأمر الذي انتظره الكثيرون بفارغ الصبر. 

لماذا تُعتبر المسألة مهمّة اليوم؟

تخيّلوا فقط أنّ هناك خطراً صامتاً يرسو في عرض البحر، ومجهول لمعظم العالم. وهذا الخطر المعروف بناقلة النفط صافر (FSO SAFER)، هو مُنشأة تخزين وتفريغ عائمة وضخمة تمّ تجاهلها قبالة سواحل اليمن المنكوبة بالحرب في البحر الأحمر، منذ عام 2015. لكن هذا الوضع قد تبدّل لحسن الحظ في الأسابيع القليلة الماضية.

في السنوات التي تلت عام 2015، لم نسمع بأي كارثة إلا بفضل القليل من الجهود البطولية لطاقم العمل والكثير من الحظّ بالفعل. والأكيد أنّ الجميع قد شعروا بارتياح هائلٍ عندما وصل طاقم الإنقاذ في حزيران/يونيو لوضع الأسس والتحضير لنقل النفط إلى الناقلة “اليمن”، التي كانت تحمل اسم “نوتيكا” سابقاً.

وقد دعت منظمة غرينبيس منذ البداية إلى اتخاذ الإجراءات المطلوبة بشأن أزمة ناقلة النفط صافر. كما عملنا من غير كللٍ أو ملل على رفع الوعي العالمي بشأن التهديدات البيئية والإنسانية الوشيكة، مع العمل على حثّ المعنيين على اتخاذ تدابير فورية لتجنّب كارثة محتملة.

وفي وقت تكتسب عملية الإنقاذ هذه أهمية هائلة وحيوية، تبقى عمليةً مليئة بالمخاطر والتحديات الكثيرة. فإنّ حالة هذه الناقلة تتدهور بالفعل، وهي بمثابة قنبلة موقوتة، الأمر الذي من شأنه أن يُفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن ويتسبّب بكارثة إنسانية وبيئية في حال حصول أيّ تسرّب أو انفجار فيها. فمن غير المقبول أن يُترك مليون برميل من النفط في ناقلة متهالكة من دون صيانة منتظمة، باعتبار أنّ مخاطر التسرب أو الانفجار تكون بهذه الحالة عالية جداً. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أي تصدّع في الهيكل الأحادي للسفينة، أو انفجاره، قد يُفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن ويتسبّب بكارثة إنسانية وبيئية، وبتسرُّب نفطي أضخم بأربعة أضعاف من ذلك الذي تسبّبت به ناقلة “إكسون فالديز” في ألاسكا في العام 1989. وقد يفاقم ذلك الأزمة الإنسانية، ويمنع وصول المساعدات إلى ميناء الحديدة وميناء الصليف الرئيسييْن والحيوييْن للإمدادات الغذائية. ما قد يحمّل البلد بالتالي عبئًا إضافيًا بعد أن دمّرته سنوات من النزاع. لكن لحسن الحظ، فإنّ فرصة تجنّب مثل هذه الكارثة أفضل الآن مما كانت عليه منذ سنوات.

قد يؤدي التسرُّب النفطي في البحر الأحمر إلى كارثة بيئية من شأنها القضاء على سُبُل عيش المجتمعات الساحلية الفقيرة في اليمن، التي تعتمد على صيد الأسماك والسياحة والحياة البحرية. كما لن تقتصر العواقب المحتملة على داخل اليمن ، فسيكون لأيّ تسرّب أو انفجار آثاراً مُدمّرة على الصحة وسُبل عيش المجتمعات والنظم البيئية في المنطقة.

من المسؤول إذاً عن هذا الخطر المُحدق؟

بين عامَي 2010 و2015، كان هناك 13 محطة نفطيّة عاملة (حقول النفط ومكثّفات الغاز) في خمسة بلوكات في حوض مأرب. ويُرجَّح أن تكون الجهات التي تملك نفط صافر من بين مُنتِجي النفط في حوض مأرب، والشركات التابعة لهم والمساهمين، أي في البلوكات الخمسة التي كانت تُغذّي خط أنابيب النفط الذي يصبّ في صافر. ونتحدث هنا بالتحديد عن كل من شركة “أوكسيدنتال”، “أو أم في”، مجموعة “سينوبيك”، شركة “ترانس غلوب” للطاقة، “أوكسيدنتال بتروليوم”، “إكسون-موبيل” و”توتال إنرجيز”. لسنواتٍ عديدة، كانت هذه الشركات الأجنبية العملاقة تستغل موارد النّفط اليمنية باستخدام ناقلة النفط صافر، وتحقّق أرباحاً على حساب المجتمعات المهمّشة، التي تعاني بما يكفي في الأساس.

انطلاقاً من كل هذه المعطيات، كان ينبغي على هذه الشركات المُلوّثة العابرة للحدود أن تتحمل تكلفة عملية الإنقاذ المُقدرة بحوالي 140 مليون دولار أميركي. لكن عوضاً عن ذلك، ساهم أعضاء الأمم المتحدة والقطاع الخاص والأفراد من جميع أنحاء العالم بمبلغ 121 مليون دولار أميركي. مع العلم أنّ هناك حاجة اليوم إلى نحو 22 مليون دولار ‏إضافية لاستكمال المبلغ المطلوب.

طوال هذه السنوات بقي قطاع النفط صامتًا وغائباً، علمًا أنَّ المبلغ المطلوب ما هو إلاّ نقطة في بحر الأرباح القياسية التي تجنيها شركات النفط العملاقة، والتي أعلنت عنها مؤخّرًا. فقد أعلنت شركة “توتال إنرجيز” مثلاً، وهي إحدى الشركات التي استخدمت ناقلة صافر، في الربع الأول من هذا العام عن أرباح زادت عن 9 مليار دولار أميركي، ما يجعل تكلفة الـ 20 مليار دولار المقدّرة لأي تسرّب نفطي محتمل مبلغاً لا قيمة له أمام حجم أرباح الشركة. وهو ما يُؤكد مرّة جديدة أنّه على الملوّثين الكِبار أن يدفعوا الثمن.

تُعد “إكسون-موبيل”، “أو أم في”، “أوكسيدنتال بتروليوم (أوكسي)”، “توتال إنرجيز” وغيرها من بين أكثر الشركات تلويثًا في العالم، ويجب أن تدفع وتُساهم ليس فقط في بعثة الإنقاذ  الحاسمة هذه، ولكن لمساهمتها التاريخية في تغيّر المناخ والحوادث المناخية المتطرّفة في المستقبل. يجب أن تلتزم هذه الشركات وغيرها مبدأ دفع تعويضات سنوية للمجتمعات المُتضررة بشكلٍ مباشر وغير مباشر بعملياتها.

من غير المقبول أن تُترك المجتمعات الساحلية اليمنية التي تعتمد على البحر في بقائها وتعتمد على صيد الأسماك كمصدر أساسي للدخل لمصيرها، وأن تدفع وحدها ثمن تجاهل شركات النفط العملاقة لحياة الإنسان والبيئة. فمن شأن أيّ تسرب نفطي أن يُدمّر هذه المجتمعات وسبل عيشها المحدودة ويزيد من فقرها.

من الواضح أنّه لا يمكن الحديث بعد عن نهاية سعيدة لهذه القضية، لكن يمكننا في المقابل أن نتجنّب نهاية كارثية. فإنّ نقل النفط لا يخلو من المخاطر ولكنّه الفرصة الوحيدة التي طال انتظارها، من أجل التخفيف من تهديدٍ واحدٍ على الأقل يُواجهه الشعب اليمني في ظل معاناته الكبيرة والمستمرة. 

إنّ قضية ناقلة النفط صافر هي بمثابة تذكير واضح وصارخ بالحاجة إلى الابتعاد عن اعتمادنا على الوقود الأحفوري، وضرورة توقف هذه الشركات عن تعريض مجتمعات بأكملها للخطر. علمًا أنّ هذه المجتمعات هي شديدة الضعف، وتتحمّل أدنى قدر من المسؤولية لمواجهة العواقب الكارثية الناجمة عن اعتمادنا على الوقود الأحفوري المُدمِّر للمناخ. ما نحتاجه اليوم هو أن تتحمّل صناعة النفط المُلوثة المسؤولية عن مساهمتها في أزمة المناخ وأن تدفع ثمن الخسائر والأضرار التي تسببت بها. وأن يعمل قطاع النفط أيضاً على تبنّي إجراءات طموحة للانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة وأكثر استدامة. كل ما نطلبه هو أن يدفع الملوّثون الثمن!

خزّان صافر العائم: قنبلة موقوتة

تزداد يومًا بعد يوم صعوبة إزالة النفط بشكل آمن بسبب الأعطال في المعدّات. حاليًا، قد تُثقَب الناقلة – لا بل قد تنفجر – في أي لحظة، ما سيتسبّب بتسرّب النفط الذي تحمله في عرض البحر – ولهذا السبب وُصف خزّان صافر العائم بـ”القنبلة الموقوتة”.

انضم إلينا